الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال لما حضر القتال ورسول الله صلى الله عليه وسلم رافع يديه يسأل الله النصر، ويقول: اللهم إن ظهروا على هذه العصابة ظهر الشرك، ولا يقوم لك دين، وأبو بكر رضي الله عنه يقول: والله لينصرنك الله وليبيضن وجهك، فأنزل الله عز وجل ألفًا من الملائكة مردفين عند أكتاف العدو، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبشر يا أبا بكر هذا جبريل عليه السلام معتجر بعمامة صفراء آخذ بعنان فرسه بين السماء والأرض، فلما نزل إلى الأرض تغيب عني ساعة ثم نزل على ثناياه النقع، يقول: أتاك نصر الله إذ دعوته.وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس رضي الله عنه قال: كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة عليهم السلام ممن قتلوهم بضرب على الأعناق وعلى البنان مثل سمة النار قد أحرق به.وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة رضي الله عنه في قوله: {فاضربوا فوق الأعناق} يقول: الرءوس.وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عطية رضي الله عنه في قوله: {فاضربوا فوق الأعناق} قال: اضربوا الأعناق.وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {فاضربوا فوق الأعناق} يقول: اضربوا الرقاب.وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {واضربوا منهم كل بنان} قال: كل مفصل.وأخرج ابن أبي حاتم عن الأوزاعي رضي الله عنه في قوله: {واضربوا منهم كل بنان} قال: أضرب منه الوجه والعين، وارمه بشهاب من نار.وأخرج الطستي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله تعالى: {واضربوا منهم كل بنان} قال: أطراف الأصابع وبلغة هذيل الجسد كله. قال: فأنشدني في كلتيهما؟ قال: نعم، أما أطراف الأصابع فقول عنترة العبسي:
وقال الهذلي في الجسد: وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه عن أبي داود المازني رضي الله عنه قال: بينا أنا أتبع رجلًا من المشركين يوم بدر، فاهويت إليه بسيفي فوقع رأسه قبل أن يصل سيفي إليه، فعرفت أن قد قتلته غيري.وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه {فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان} قال: ما وقعت يومئذ ضربة إلا برأس أو وجه أو مفصل. اهـ. .فوائد لغوية وإعرابية: قال ابن عادل:قوله: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الملائكة}في {إذْ} أوجهٌ:أحدها: أنَّهُ بدلُّ ثالث من قوله: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ}.الثاني: أن ينتصب بقوله: {يُثَبِّتَ}.قالهما الزمخشريُّ ولم يبن ذلك على عودِ الضمير.وأمَّا ابنُ عطية: فبناه على عَوْدِ الضَّمير في قوله بِهِ فقال: العاملُ في إذْ العاملُ الأول على ما تقدَّم فيما قبلها، ولو قدَّرناهُ قريبًا لكان قوله: {ويُثَبِّتَ} على تأويل عوده على الرَّبْطِ.وأمَّا على تأويل عوده على: المَاءِ فيقلق أن يعمل {ويُثَبِّتَ} في إذ وإنَّما قلق ذلك عنده لاختلاف زمان التثبُّت وزمان الوحي، فإنَّ إنزالَ المطر وما تعلَّق به من تعليلاتٍ متقدمٌ على تغشية النُّعاس، وهذا الوحيُ وتغشيةُ النُّعاس والإيحاءُ كانا وقت القتال.قوله: {أنِّي معَكُمْ} مفعولٌ بـ {يُوحِي} أي: يوحي كوني كعكم بالغلبةِ والنصر.وقرأ عيسى بن عمر- بخلافٍ عنه- {أنِّي مَعَكُمْ} بكسرِ الهمزةِ وفيه وجهان:أحدهما: أنَّ ذلك على إضمار القول، وهو مذهب البصريين.والثاني: إجراء {يُوحِي} مُجْرَى القول؛ لأنَّهُ بمعناه، وهو مذهب الكوفيين.قوله: {فوْقَ الأعناقِ} فيه أوجه:أحدها: أنَّ {فوْقَ} باقيةٌ على ظرفيتها والمفعولُ محذوفٌ، أي: فاضربوهم فوق الأعناقِ.علَّمَهُم كيف يضربونهم.والثاني: أنَّ {فوْقَ} مفعولٌ به على الاتَّساع؛ لأنه عبارةٌ عن الرَّأسِ، كأنَّه قيل: فاضربوا رُءوسهم، وهذا ليس بجيد؛ لأنَّهُ لا يتصرَّف.وزعم بعضهم أنه يتصرَّف، وأنك تقول: فوقُك رَأسُك برفع فوقك، وهو ظاهرُ قول الزمخشريِّ، فإنه قال: {فَوْقَ الأعْنَاقِ} أراد أعالي الأعناق التي هي المذابح لأنَّها مفاصلٌ.الثالث:- وهو قول أبي عبيدة-: أنَّها بمعنى على أي: على الأعناقِ ويكون المفعولُ محذوفًا تقديره: فاضربوهم على الأعناق، وهو قريبٌ من الأول.الرابع: قال ابنُ قتيبة: هي بمعنى: دون.قال ابن عطيَّة: وهذا خطأ بيِّنٌ وغلطٌ فاحشٌ، وإنَّما دخل عليه اللَّبْس من قوله: {بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: 26] أي: فما دونها وليست فوق هنا بمعنى دون وإنَّما المرادُ: فَمَأ فوقها في القلَّة والصِّغَرِ.الخامس: أنها زائدةٌ أي: اضْرِبُوا الأعناقَ، وهو قول أبي الحسنِ.وهذا عند الجمهور خطأ؛ لأنَّ زيادة الأسماءِ لا يجوزُ.قوله: {مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} يجوزُ أن يتعلَّق: {مِنْهُمْ} بالأمر قبله، أي: ابتدئوا الضَّرب من هذه الأماكن، وهذا الكلامُ مع ما قبله معناه: اضربوهم في جميع الأماكن والأعضاءِ من أعاليهم إلى أسافلهم، ويجوز أن يتعلَّق بمحذوف على أنَّهُ حال من: {كُلَّ بنانٍ} لأنَّهُ في الأصل يجوزُ أن يكون صفةً لو تأخَّر، قال أبُو البقاءِ: ويَضْعُفُ أن يكون حالًا من {بَنَانٍ} إذْ فيه تقديمُ حالِ المضافِ إليه على المضاف.فكأنَّ المعنى: اضربوهم كيف ما كان.قال الزمخشريُّ: يعني ضرب الهام.قال: [الوافر]وقال: [البسيط] وقال ابن عطية: ويُحتمل أن يريد بقوله: {فوق الأعْنَاقِ} وصْف أبلغِ ضرباتِ العنقِ، وهي الضربة التي تكون فوق عظم العنق ودون عظم الرأس.ثم قال: ومنه قوله: [الوافر] وقيل: هذا مِنْ ذكرِ الجزء وإرادة الكل؛ كقول عنترة: [الكامل] والبَنَان: قيل: الأصابعُ، وهو اسمُ جنسٍ، الواحد: بنانةٌ؛ قال عنترةُ: [الوافر] وقال أبو الهيثم: البنانُ: المفاصِلُ، وكل مفصل بنانة.وقيل: البنانُ الأصابع من اليدين والرِّجلين، وجميع المفاصل من جميع الأعضاء، وأنشد لعنترة: [الطويل] وقد تُبْدلُ نونُه الخيرة ميمًا؛ قال رؤبةُ: [الرجز] . اهـ. باختصار. .من لطائف وفوائد المفسرين: من لطائف القشيري في الآية:قال عليه الرحمة:قوله جلّ ذكره: {إِذْ يُوحِى رَبُّكَ إِلَى المَلاَئِكَةِ أَنِّى مَعَكُمْ فَثَبِتُّوا الَّذِينَ ءَامَنُوا سَأُلْقِى في قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ}.عَرَّفَنَا أنَّ الملائكة محتاجون إلى تعريف الحق إياهم قضايا التوحيد. وتثبيتُ الملائكة للمؤمنين: قيل كانوا يَظْهَرُون للمسلمين في صور الرجال يخاطبونهم بالإخبار عن قلة عدد المشركين واستيلاء المسلمين عليهم، وهم لا يعرفون أنهم ملائكة.وقيل تثبيتهم إياهم بأن كانوا يلقون في قلوبهم ذلك مِنْ جهة الخواطر، ثم إن الله يخلق لهم فيها ذلك، فكما يُوَصِّلُ الحق سبحانه- وساوسَ الشيطان إلى القلوب يوصل خواطرَ المَلَكِ، وأَيَّدَهم بإلقاء الخوف والرعب في قلوب الكفار.قوله جلّ ذكره: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ}.وذلك بأمر الله وتعريفه من جهة الوحي والكتاب، ويكون معناه إباحة ضربهم ونيلهم على أي وجه كان كيفما أصابوا أسافلهم وأعاليهم. ويحتمل فاضربوا فوق الأعناق ضربًا يوجِبُ قَتْلَهم؛ لأنه لا حياةَ بعد ضَرْبِ العُنُقِ. ولفظُ فوق يكون صلة.{وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} أي ضربًا يعجزهم عن الضرب ومقاتلة المسلمين؛ لأنه لا مقاتلة تحصل بعد فوات الأطراف. اهـ..تفسير الآية رقم (13): قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (13)}.مناسبة الآية لما قبلها: .قال البقاعي: ثم علل تسليطهم عليهم بقوله: {ذلك} أي التسليط العظيم، وأخبر عنه بقوله: {بأنهم} أي الذي تلبسوا الآن بالكفر ولو كانوا ممن يقضي بايمانه بعد {شاقوا الله} أي الملك الأعلى الذي لا يطاق انتقامه {ورسوله} أي طلبوا أن يكونوا بمخالفة الأوامر والنواهي في شق غير الذي فيه حزب الهدى في مكر منهم وخداع، وشاقوه باشتهار السيف جهرًا- ثم بين ما لفاعل ذلك، فقال عاطفًا على تقديره: فمن شاق الله ورسوله فافعلوا به ذلك، فإني فاعل به ما فعلت بهؤلاء، وأظهر الإدغام في المضارع لأن القصة للعرب وأمرهم في عداوتهم كان بعد الهجرة شديدًا ومجاهرة، وأدغم في الماضي لأن ما مضى قبلها كان ما بين مساترة بالمماكرة ومجاهرة بالمقاهرة، وعبر بالمضارع ندبًا إلى التوبة بتقييد الوعيد بالاستمرار، وأدغم في الحشر في الموضعين لأن القصة لليهود وأمرهم كان ضعيفًا ومساترة في مماكرة: {ومن يشاقق الله} أي الذي له الأمر كله فلا أمر لأحد معه ويشاقه سرًا أو جهرًا {ورسوله} بأن يكون في شق غير الشق الذي يرضيانه {فإن الله} أي الذي له جميع صفات الكمال {شديد العقاب} أي له هذه الصفة، فليتوقع مشاققه عذابه، فالآية من الاحتباك: ذكر الفعل المدغم أولًا دليل على حذف المظهر ثانيًا، والمظهر ثانيًا على حذف المدغم أولًا. اهـ..قال الفخر: واعلم أنه تعالى لما ذكر هذه الوجوه الكثيرة من النعم على المسلمين.قال: {ذلك بِأَنَّهُمْ شَاقُّواْ الله وَرَسُولَهُ} والمعنى: أنه تعالى ألقاهم في الخزي والنكال من هذه الوجوه الكثيرة بسبب أنهم شاقوا الله ورسوله.قال الزجاج: {شَاقُّواْ} جانبوا، وصاروا في شق غير شق المؤمنين، والشق الجانب {وَشَاقُّواْ... الله} مجاز، والمعنى: شاقوا أولياء الله، ودين الله.ثم قال: {وَمَن يُشَاقِقِ الله وَرَسُولَهُ فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب} يعني أن هذا الذي نزل بهم في ذلك اليوم شيء قليل مما أعده الله لهم من العقاب في القيامة، والمقصود منه الزجر عن الكفر والتهديد عليه. اهـ..من أقوال المفسرين: .قال السمرقندي: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ}، يعني ذلك الضرب والقتل سبب أَنَّهُمْ {شَاقُّواْ الله وَرَسُولَهُ}، يعني عادوا الله ورسوله، وخالفوا الله ورسوله.{وَمَن يُشَاقِقِ الله} ورسوله، يعني من يخالف الله: {فَإِنَّ الله شَدِيدُ العقاب} إذا عاقب. اهـ..قال ابن عطية: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ}هذا الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمؤمنون داخلون فيه بالمعنى والضمير في {بأنهم} عائد على الذين كفروا، و{شاقوا} معناه خالفوا ونابذوا وقطعوا، وهو مأخوذ من الشق وهو القطع والفصل بين شيئين، وهذه مفاعلة فكأن الله لما شرع شرعًا وأمر بأوامر وكذبوا هم وصدوا تباعد ما بينهم وانفصل وانشق، مأخوذ من هذا لأنه مع شقه الآخر تباعدا وانفصلا وعبر المفسرون عن قوله: {شاقوا} أي صاروا في شق غير شقه.قال القاضي أبو محمد: وهذا وإن كان معناه صحيحًا فتحرير الاشتقاق إنما هو ما ذكرناه، والمثال الأول إنما هو الشَّق بفتح الشين، وأجمعوا على الإظهار في {يشاقق} إتباعًا لخط المصحف، وقوله: {فإن الله شديد العقاب} جواب الشرط تضمن وعيدًا وتهديدًا. اهـ.
|